متى يقدر التخصص؟

تعاني المؤسسات الطبية من تعيينات لا تقدرالتخصص في العمل، وليس لها خبرة علمية وإدارية سابقة، فيمكن للطبيب مثلاً أن يدير إدارة الإستثمار ... الحاسب الآلي ... العلاقات العامة ... التثقيف الصحي ... العلاقات الحكومية ... شؤون الموظفين ... الجودة - والقائمة تطول - مع وجود المختصيين بها والحاصلين على أعلى الدرجات العلمية في نفس التخصص، وللأسف الشديد أن المدير الجديد لا يستلم الإدارة من المديرالسابق، بل يبدأ العمل مباشرة بوضع أنظمة وسن لوائح جديدة محدثا بذلك تغييرات جذرية في الإدارة ، معتمداً على مقال قد أطلع عليه في الإنترنت، أواستشارة صديق مقرب، مهمشاً موظفي الإدارة الذين قضوا جل أعمارهم فيها.
وتستمر هذه المعاناة مدة سنتين، ثم يُغير المدير، فتبدأ الدورة من جديد، فيستحدث المديرخطة جديدة، ويجلب معه حاشيته، ملغيا المشاريع والبرامج التي بدأها المديرالسابق، ومن ثم يقوم بالتخلص من الأجهزة والمعدات التي تم شراؤها لدعم البرامج في مستودع الإدارة حتى يتم بيعها في المزاد العلني آخر العام كحديد خام، وقد يفكر أيضا في التخلص من الموظفين الذين عينوا للعمل في تلك البرامج.
ومن المستغرب أن يشارك هذا المدير "الطبيب" في العديد من الاجتماعات واللجان المتخصصة، بل قد يترأسها أحيانا، "وفاقد الشيء لا يعطيه" فإن أبدى رأيه سخر منه الجميع، فليس له إلا أن يأخذ بمبدأ السلامة، فيصمت ولا يبدي رأيه أثناء الاجتماعات، فيكون عمله الوحيد هو الموافقة على محاضر الاجتماعات في بداية كل اجتماع جديد.
وغالبا ما يكون هذا المدير غير متفرغ، وله نصف عيادة رسمية، ومشاركا في العديد من اللجان، ومستشارا صحيا بوزارة الصحة، ومحاضرا في الجامعة ... فتصبح إدارته مثل "زواج المسيار" فقلما يتواجد في الإدارة، فإن سنحت الفرصة للموظف الاجتماع به في مكتبه، لا يدعوه للجلوس، وينظر في ساعته ليخبره بأنه ليس له وقت يهدره معه، ثم يبدأ بتوقيع المعاملات، أو يرد على الهاتف، فينسحب الموظف بهدوء ويذهب إلى مكتبه ـ راجعا بخفي حنين.
وعلى الطبيب تكاليف أخرى تتبع معاينته للمرضى، مثل: كتابة تقاريرهم، متابعة نتائجهم، ومراجعة ملفاتهم، الرد على استفساراتهم ... يقوم بكل هذا في فترة النصف الإداري.
إليك أخي الكريم هذه الحسبة ... يفرغ الطبيب المدير نصف يوم مقابل إدارته ... ففيها يمكن أن يعاين 20 مريضاً يوميا، 100 مريض أسبوعيا، 400 مريض شهرياً، ولو افترضنا أنه يعمل 9 أشهر في السنة، فيكون الإجمالي معاينة 3600 مريض سنوياً – هذا لطبيب واحد فقط. وبهذا يتأثر المرضى كثيرا بغياب الأطباء المتخصصين.
وهنا أكاد أجزم أن هذا هوأحد أهم أسباب ارتفاع معدلات قوائم انتظار المرضى في المستشفيات، وسبب رئيس في بطالة كثير من أصحاب التخصصات الأخرى.
فلماذ لا تُقدر التخصصات، ويُعين أصحاب التخصصات في تخصصاتهم، ويرجع الأطباء إلى عياداتهم، فقد أنفقت الدولة المليارات عليهم ليقموا بمعالجة المرضى والاهتمام بشؤونهم، وليس القيام بالعمل الإداري.
بقلم
أسعد بن علي الريس
مدير مركز الصحة الالكترونية
مستشفى الملك فيصل التخصصي
ما خطت يميني وجهة نظر خاصة بي، إن كنت أصـــبت فمن الله وحـــــده؛ وإن أخطــــــأت فمن نفسي ومن الشيطآن
No comments:
Post a Comment